01 - 07 - 2024

عجاجيات | عيش السياح المصريين

عجاجيات | عيش السياح المصريين

رحلتى مع العيش أو الخبز مليئة بالذكريات....أتذكر جيدا سهرات الخبيز أمام الفرن فى منزل جدي فى سندبسط زفتى غربية.. كانت كل بيوت القرية تخبز عيشها فى الأفران البلدي أو الفلاحى الموجودة فى البيوت أو الدور، ووقتها لم يكن الريف المصري يعرف أنابيب البوتاجاز ولا يعرف الغاز الطبيعي، وكان إشعال الفرن يتم بالحطب وروث البهائم (أو الجلة ولا مؤاخذة).. وكان الفرن المشتعل فى أي منطقة يلبى طلبات كل الجيران، من يريد أن يشوي بطاطا أو ذرة ومن يريد طهى طاجن خضار مشكل أو صينية بطاطس.. ومن كان عنده فضل عيش أو خبز لا يبخل به أبدا على جاره الذى تأخر فى طحن الغلة أو القمح والذرة لأي سبب.

عندما انتقل أبى وأمى رحمة الله عليهما إلى القاهرة لكسب الرزق، ظلت امى ولسنوات طوال حريصة على خبز العيش وإرساله إلى أحد الأفران فى حارة السقايين لتسويته.. وكانت أمى مع كل خبزة جديدة تهدي بعض عيشها للجيران مع ما تيسر من خيرات زيارات قريتنا، وخاصة من الجبنة القديمة والمش المعتق وأحيانا بعض اللبن الرايب.

وأتذكر جيدا السيدة فاطمة التى كانت تطبق بمفردها نظام الدليفري فى ستينيات القرن الماضى، إذ كانت توزع رواتب العيش أو الخبز على معظم بيوت عابدين وحارة السقايين ودرب المواهى.. كانت تحمل قفة الخبز وتصعد وتهبط بها وهى مبتسمة وراضية وتعمل جاهدة على تلبية كل الاذواق، هذا يريد عيش مفقع وهذا يحب الطري وهذا يحب الملدن.

وأتذكر جيدا عندما كنا نحصل على التموين من سكر وشاى وزيت وكوبونات لشراء الجاز بسعر مخفض، ووقتها لم يكن العيش ضمن التموين، إذ كان متاحا للجميع بأسعار تعى مدي أهمية العيش للمصريين واعتمادهم عليه فى كل وجباتهم.

ومنذ سنوات طوال انقطعت صلتى وأسرتى بالتموين ومنظوماته، وبالتالى أصبحت من مستهلكى العيش الحر الذى أطلق عليه أحد العباقرة تسمية (العيش السياحي) فى إشارة أنه عيش المرفهين الذين تمتليء جيوبهم بالجنيهات المصرية والأسترلينية والدولارات واليوروهات والريالات والدراهم والدنانير.. والحقيقة المؤكدة أن ملايين المصريين لا يستفيدون من منظومة التموين، وبالتالى يعتمدون على العيش الحر أو العيش السياحى الذى ارتفع ثمنه على رائحة الازمة الروسية - الأوكرانية.. المسؤول عن رفع سعر العيش السياحى نسي أن 99.9 % من مستهلكيه هم من المصريين الذين لا علاقة لهم لا بالاسترلينى أو الدولار، ولا علاقة لهم بالسياحة سوى زيارتهم لحديقة الحيوان وزيارتهم لأقاربهم فى المنوفية والفيوم، وزيارتهم لأولياء الله الصالحين وخاصة سيدي أحمد البدوى فى طنطا وسيدي ابراهيم الدسوقى في دسوق.

العيش سواء عيش التموين أو العيش المسمى بالسياحى، يمثل أهمية كبيرة فى حياة عشرات الملايين من المصريين.. كما أن سعر العيش بمثابة الترمومتر لبقية الأسعار التى ترتفع مع ارتفاع لقمة العيش.. أيها العيش ظلموك بدمغك بـ(السياحي).
--------------------
بقلم: عبدالغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | حقك وحقهم





اعلان